ديناميكيات القوة و حوكمة الذكاء الاصطناعي في الوطن العربي

زميل مشارك بمركز الذكاء الاصطناعي بجامعة كمبريدج، بريطانيا
مدرس بجامعة المنيا، مصر

أصدرت هيئة الأمم المتحدة الاستشارية للذكاء الاصطناعي، الشهر الماضي، تقريرها النهائي بعنوان “حوكمة الذكاء الاصطناعي من أجل الإنسانية”، الذي تضمن سبع توصيات رئيسية تركز على سد الفجوات في حوكمة الذكاء الاصطناعي وتعزيز التعاون الدولي، بهدف تعظيم الاستفادة من تطبيقات الذكاء الاصطناعي المختلفة، مع الحد من أضراره و سلبياته. و لقد شَرُفت بدعوة مبعوث الأمم المتحدة للتكنولوجيا لي، مطلع هذا العام، للمساهمة في النقاش العالمي حول الذكاء الاصطناعي كعضو في اللجنة الاستشارية لهيئة الأمم المتحدة رفيعة المستوى المعنية بالذكاء الاصطناعي.

شملت المناقشات مشاورات واسعة النطاق حول مسودة تقرير الذكاء الاصطناعي الذي أصدرته الأمم المتحدة في ديسمبر العام الماضي ٢٠٢٣. حيث شارك أكثر من 500 خبير في مختلف التخصصات حول العالم في 18 جلسة متخصصة في قضايا محددة، بالإضافة لأكثر من 250 مشاركة مكتوبة من أكثر من 150 منظمة و100 فرد. كما شارك حوالي 350 خبيرًا من جميع أنحاء العالم في استبيان قياس المخاطر المتعلقة بالذكاء الاصطناعي.

أحد التحديات البارزة التي تم تسليط الضوء عليها في التقرير النهائي هو فجوة التمثيل، حيث إنه من بين 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، تشارك سبع دول فقط (ألمانيا، إيطاليا، فرنسا، كندا، المملكة المتحدة، الولايات المتحدة، اليابان) في المبادرات البارزة لحوكمة الذكاء الاصطناعي، بينما تظل 118 دولة، معظمها من الجنوب العالمي، غائبة تمامًا عن المشاركة في هذه المبادرات.

ورغم أهمية الجهود العالمية في هذا المجال مثل توصيات الأمم المتحدة وقانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، فإنها غالبًا ما تغفل عنصرًا أساسيًا و هو تمكين المهمشين، و الفئات الأكثر تضررًا من استخدامات الذكاء الاصطناعي. تحتاج ديناميكيات القوة الكامنة وراء تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي إلى مزيد من الاهتمام لأنه حتى عند تسليط الضوء على التحديات والتحيزات في نماذج الذكاء الاصطناعي، لا يوجد ضمان بأن من يتحكمون في هذه التكنولوجيا من شركات أو حكومات سيتخذون الإجراءات اللازمة لمعالجتها، كما أشار الباحثون مثل أغنيو وآخرون، 2023.

يجب أن تركز حوكمة الذكاء الاصطناعي الفعّالة على المجتمعات المهمشة والفئات الأكثر ضعفًا، التي تتأثر بشكل أكبر بتطوير الذكاء الاصطناعي وإساءة استخدامه مثل المبدعين، والناشطين، والنساء، واللاجئين، و ضحايا الحروب. ويجب تصحيح الاختلال في توزيع السلطة بين الشمال العالمي، حيث توجد شركات التكنولوجيا والحكومات الإمبريالية، وبين الجنوب العالمي، حيث يعاني الناس من نهب الثروات، و سوء استخدام الذكاء الاصطناعي.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لا سيما في العالم العربي، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي جزءًا متزايدًا من العمليات العسكرية والحكومية، أصبحت الحاجة إلى حوكمة أخلاقية للذكاء الاصطناعي أكثر إلحاحًا. وغالبًا ما يُستخدم الذكاء الاصطناعي من قِبل الحكومات، والشركات التكنولوجية، وقوى الاحتلال لقمع حرية التعبير، وفرض الرقابة، ومراقبة السكان، و إطالة أمد الصراعات المسلحة، و لنا فيما يحدث في غزة و لبنان حاليًا خير مثال.

و للمشاركة بشكل فعَّال في الحوكمة العالمية للذكاء الاصطناعي، لابد للعالم العربي أولاً من تطوير إطار عمل يعكس قيمه الثقافية، والاجتماعية، والسياسية الفريدة مع إعطاء الأولوية لأولئك الأكثر تضررًا من إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي. سيشكل هذا الإطار أساسًا لمشاركة مجدية في النقاش العالمي حول تنظيم الذكاء الاصطناعي

علينا توحيد الجهود الحالية في الوطن العربي، بما في ذلك ميثاق الذكاء الاصطناعي الصادر من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر، ومبادئ الذكاء الاصطناعي في الإمارات الصادر عن دبي الرقمية، ومبادئ أخلاقيات الذكاء الاصطناعي في السعودية الصادر عن هيئة البيانات والذكاء الاصطناعي السعودية وإرشادات قطر لاعتماد واستخدام الذكاء الاصطناعي الآمن الصادر عن وكالة الأمن السيبراني الوطنية، ومسودة سياسة الذكاء الاصطناعي الوطنية في سلطنة عُمان من وزارة النقل والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، لضمان نهج شامل ومتكامل لحوكمة الذكاء الاصطناعي عبر المنطقة.

من الضروري أن يتبنى العالم العربي نهجًا تنظيميًا من أسفل إلى أعلى، يركز على بناء المعرفة، واستثمار الموارد، و مشاركة المجتمع المدني، وعلى الحكومات وأصحاب المصلحة والمجتمع ككل تركيز الاهتمام على الفئات غير الممثلة لضمان العدالة والمساواة، و بذلك يمكن تحويل الذكاء الاصطناعي من أداة للسيطرة إلى أداة لتحقيق الحرية و الانصاف.

إن مستقبل الذكاء الاصطناعي في العالم العربي – وعلى المستوى العالمي – يعتمد على الأطر التي نضعها اليوم، وما إذا كان سيسُتخدم كأداة للتحرر أو القمع.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *