ريهام حسني

الجامعات العربية و الكنز المفقود

فى حين تسعى الحكومات العربية إلى التحول إلى حكومات إلكترونيه، و تنادى فى الوقت ذاته برقمنة المكتبات ورفع المحتوى التعليمى للجامعات على شبكة المعلومات الدولية، إلا أنها تتجاهل تمامًا علم “الإنسانيات الرقمية  Digital Humanities الذى هو مفتاح أى تقدم تكنولوجى تسعى إليه بلادنا. و الإنسانيات الرقمية هى حصيلة تقاطع العلوم الإنسانية مثل الأدب و الجغرافيا و التاريخ و الفنون مع التكنولوجيا الرقمية. فالعلم البينى Interdisciplinary Science المسمى “نظم المعلومات الجغرافية Geographic Information Systems (GIS)” ينتج من تفاعل الحاسوب مع الجغرافيا، كما أن “الأدب الإلكترونى Digital Literature ” هو أيضًا نتاج تفاعل الحاسوب مع الأدب. و الإنسانيات الرقمية علم حديث يهدف ليس فقط إلى أرشفة الإنسانيات رقميًا، و الإستعانة بالحاسوب فى التعامل معها، بل أيضًا إلى تحليل البيانات و المعلومات رقميًا و الخروج منها بنتائج لما هو كائن و تنبوءات بما سيحدث، مما يساعد متخذى القرار فى رسم سياسة شاملة لكل مناحى الحياة.

 

و على الرغم من حداثة الإنسانيات الرقمية، إلا أنها قد وجدت مكانًا امنًا فى معظم جامعات العالم تقريبًا. و سأخص هنا بالحديث “الأدب الإلكترونى”، و هو المجال الذى أدرسه حاليًا فى جامعة ويست فيرجينيا و معهد روتشستر التقنى بأمريكا. يستفيد الأدب الإلكترونى من معطيات الثورة التكنولوجيه لإنتاج نص يختلف عن النص الأدبى التقليدى من حيث طريقة إنتاجه و تلقيه. يتم فى النص الأدبى الإلكترونى توظيف عناصر الصوت و الصورة و الأنيميشن و غيرها من البرامج، فيتعاون بذلك الكاتب و المبرمج فى إخراج نص جديد فنيًا و تقنيًا. ثم يتم إستدعاء القاريء ليقرأ قراءات عدة يضيف فى كل منها بعدًا جديدًا للعمل الأدبى. إذن تغير مفهوم الكاتب و القاريء و تغيرت ملامح العملية الإبداعية كلها.

 

وفى حين أن جامعات البلاد المتقدمة تسعى الان إلى إفساح مكان للأدب الإلكترونى ضمن لائحة مناهجها التعليمية، نجد أن الجامعات العربية فى غفلة تامة عن هذا المقرر المهم باستثناء بعض الجامعات فى المغرب و الجزائر و الإمارات العربية المتحدة، و الفضل فى ذلك يعود لأساتذة مثقفين أمثال زهور كرام، و إبراهيم ملحم و فاطمة كدو، و فاطمة البريكى الذين قطعوا خطوات جادة فى هذا السباق العالمى منذ عام 2007. و لا أجد هناك مبررًا لهذا التراجع عن مواكبة الثورة المعلوماتيه سوى غفلة القائمين على العملية التعليمية فى بلادنا العربية، فعلى المستوى الإبداعى، فهناك من الكتاب العرب من خاضوا تجربة الكتابة الإلكترونية منذ مطلع هذا القرن أمثال الرائد محمد سناجلة، و مشتاق معن،و منعم الأزرق،و أحمد فضل شبلول، و محمد أشويكه، و اسماعيل البويحياوى.

 

و من اللافت للنظر أن دولة مثل الهند متقدمة جدًا تكنولوجيًا، و من يأتى أمريكا و يزور الجامعات و المعاهد التقنية يشعر أنه قد نزل الهند بالخطأ من كثرة الطلاب الهنود الذين يدرسون التكنولوجيا و تطبيقاتها فى المقام الأول. و لو أخذنا المثال السابق و هو الأدب الإلكترونى، فيتم توظيفه فى مجال صناعة ألعاب الفيديو، و كلنا يعلم تمامًا أعداد “السيبرات” التى تقوم أساسًا على ألعاب الفيديو و غيرها من الألعاب. يمكننا استغلال ذلك إقتصاديًا، بحيث تنشيء كل جامعة شركة برمجيات خاصة بها، توظف فيها طلاب الأقسام الأدبية و الميديا و علوم الحاسب، بحيث تشجع الطلاب على الابتكار و توفر لهم فرص عمل جيدة و تخدم الوطن فى الوقت ذاته.  فجامعات العالم اليوم تتجه إلى العلوم البينيه التى يعمل فيها الأفراد فى جماعات و تتقاطع فيها العلوم و تتكامل لإنتاج تكنولوجيا متقدمة تستطيع أن تخدم كافة مناحى الحياة، كما توفر عائدًا إقتصاديًا ضخمًا. أعتقد أنه لزامًا على كل إدارة جامعية أن تعيد النظر فى مقرراتها التعليمية و الإستفادة من العلوم التى تمثل عصب الحياة الان، و منها الإنسانيات الرقمية، فالتكنولوجيا هى الرهان الكاسب لهذا العصر و من يتخلف عنها فسوف يخرج من دائرة الزمن.