ريهام حسني

السم، و العسل، و فيروس الصهينة

في سبعينيات القرن الماضي، أطلق إيفن زوهار و جدعون توري، الأستاذان بجامعة تل أبيب، نظريتهما المشبوهة في الترجمة “نظرية النظام المتعدد Polysystem Theory “. ركزت هذه النظرية على دور النصوص المترجمة في تشكيل وعي و ثقافة الجمهور المترجم إليه، بحيث فتحت النظرية الباب أمام ترجمة النصوص بأهداف سياسية و اجتماعية لتوصيل أفكار بعينها و تزييف وعي المجتمع المترجم إليه (و لدكتور جمال التلاوي بحث مفصل في هذه النظرية و أهدافها المغرضة المشبوهة بعنوان “نظرية عنصرية في الترجمة” و بحث آخر بالانجليزية)

 

في 2002، وقعت المصرية منى بيكر، الأستاذة في دراسات الترجمة في جامعة مانشستر البريطانية، على خطاب مفتوح لمقاطعة الجامعات و المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية بسبب ممارساتها ضد الفلسطينيين. أحدث هذا الخطاب ضجة في الأوساط الأكاديمية العالمية، و من الغريب، أن أستاذين في جامعتين بريطانيتين هما من قاما بمبادرة كتابة و إرسال هذا الخطاب المفتوح لصحيفة الجارديان البريطانية لتلقي توقيعات الأكاديميين من مختلف أنحاء العالم. بعد أن وقعت منى بيكر على هذا الخطاب قامت بفصل أستاذين من هيئة تحرير مجلتين علميتين، تشرف هي و زوجها على تحريرهما، بسبب انتمائهما لجامعتين إسرائيليتين، و كان جدعون تورى أحدهما.

 

في 2005 انطلقت الحملة العالمية BDS لرفض كافة أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني حتى يستجيب للمواثيق الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية. و فيما يخص المقاطعة الأكاديمية، كتبت الحملة على موقعها الإلكتروني أسباب الدعوة لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية: “لعبت الجامعات الإسرائيلية دورا هاماً في تبرير الاستعمار المستمر للأراضي الفلسطينية وتشريع التطهير العرقي التدريجي للفلسطينيين، وإعطاء تبرير “أخلاقي” للقتل خارج إطار القانون. كما إن سياسة التمييز العنصري واضحة ومستشرية في الجامعات الإسرائيلية ضد الطلبة “غير اليهود”، أي الفلسطينيين … تعد الجامعات الإسرائيلية جزءا عضويا من المؤسسة العسكرية الإسرائيلية ولها دور كبير في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، بعض الأمثلة: تطور جامعة “تخنيون” الإسرائيلية تقنيات الطائرات بدون طيار والجرافات التي يتم التحكم بها لاستخدامها في هدم منازل الفلسطينيين. طورت جامعة “تل أبيب” م “عقيدة الضاحية” والتي تدعو إلى استخدام القوة المفرطة (غير المتكافئة) لهدم البنية التحتية المدنية والإضرار بالمدنيين، وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد استخدمتها في مجازرها ضد الفلسطينيين في غزة وكذلك ضد المدنيين اللبنانيين.”

 

أيضًا تبنت حملة BDS الدعوة لعدم التطبيع الثقافي مع الكيان الصهيوني كما جاء على موقعها الإلكتروني “يوظّف نظام الاستعمار الإسرائيلي الثقافة كغطاء لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني … ” تقدم وزارة الخارجية الإسرائيلية التمويل للفنانين/ات والكتاب الإسرائيليين بشرط أن يعملوا كـ”مزودي خدمات” على “ترويج المصالح السياسية الإسرائيلية”، ويعمل العديد من الفنانين الإسرائيليين كـ”سفراء ثقافيين” لنظام الاستعمار الإسرائيلي. حينما يقدم الفنانون العالميون عروضا في المحافل والمؤسسات الثقافية الإسرائيلية، فإنهم يساعدون في خلق الانطباع الزائف بأن إسرائيل هي دولة “طبيعية” كباقي الدول.”

 

و من المعروف أن العالم الفيزيائي الشهير ستيفن هوكينج قد أعلن مقاطعته للمشاركة في “مؤتمر الرئيس” الذي أقيم عام 2013 في الأراضي المحتلة، تحت رعاية الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في إعلان واضح لمساندته للقضية الفلسطينية. و في عام 2015، وقع أكثر من 300 أكاديمي في جامعات بريطانية عديدة على تعهد لمقاطعة الكيان الصهيوني في حملة دولية لمقاطعته أكاديميًا و ثقافيًا، و في نفس العام، أطلقت حملة مشابهة اشترك فيها ما يزيد على 700 فنان من الأوساط الفنية و الأدبية البريطانية.

 

و إذا كانت بعض الأنظمة العربية لا تحترم مبدأ المقاطعة، إلا أن الأمل مازال معقودًا على الشعوب العربية و مثقفيها لتفعيل المقاطعة الأكاديمية و الثقافية. و من المعلوم أن أذناب زوهار و توري مازالت تعمل من أجل تزييف الحقائق و دس السم في العسل، إلا أنه من المحزن أن نجد بعض المثقفين المحسوبين على الوسط الثقافي و الأكاديمي العربي يخدمون الأهداف الصهيونية بمواقفهم المخزية، و دعوتهم للتطبيع، و مشاركتهم في فعاليات الكيان الصهيوني، و يقدمون أنفسهم للوسط الثقافي العربي على أنهم مثقفون عرب، و الأكثر حزنًا هو تفاعل بعض مثقفينا معهم، و دعم مواقفهم التي يتم التعامل معها على أنها أوضاعًا طبيعية مشروعة، لأن الهدف أن ينمو جيل قد تعود على الوجود الصهيوني في المنطقة، و يتعامل معه بشكل طبيعي. هؤلاء المثقفون الصهيوعرب أخطر على الوعي العربي من الصهاينة أنفسهم.

 إذا كانت هذه الفئة من المثقفين، تخدم أهداف زوهار و أعوانه، إلا أن منى بيكر و أمثالها و المثقفين العرب الشرفاء مازالوا يحملون مشاعل التنوير حتى لا يتم تزييف الوعي العربي.