ريهام حسني

انترفيو (2)

ريهام حسني

الثقافة تحتاج إلى تعاون أكبر بين الكتاب والمبرمجين

الباحثة المصرية ريهام حسني: احتضان التكنولوجيا والرقمنة من سبل تنمية لغة الضاد.  

صحيفة العرب اللندنية – حوار شريف الشافعي

تواجه اللغة العربية أزمات كبرى وتحديات كثيرة  أدت إلى تراجعها كلغة للتداول الحي، ونقل العلم والمعرفة والأدب، وضعفها  كمحتوى رقمي على الإنترنت. “العرب” التقت الباحثة المصرية ريهام حسني،  المحاضرة بجامعة ليدز في بريطانيا، والمستشارة الدولية لمنظمة الأدب  الإلكتروني العالمية، ومديرة مشروع الأدب الإلكتروني العربي بالإنجليزية،  في حوار حول أبرز قضايا لغة الضاد الراهنة وأبجديات مواجهتها وتجاوزها.

 

يحتاج النهوض باللغة العربية إلى جهود من طراز خاص، تأخذ في اعتبارها  طبيعة العصر الذي نعيشه، فلا سبيل إلى إنعاش اللغة وتطويعها وتطويرها ومد  نطاق استعمالاتها محليّا وعربيّا وعالميّا دون إنتاج جاد حقيقي للأدب  الإلكتروني العربي، وزيادة المحتوى العربي الرقمي الذي لا يتخطى ثلاثة  بالمئة على الإنترنت وتعميق مجالاته وموضوعاته وتوسعتها، وتأمين تواصل خلاق  مرن بين اللغة العربية والبرمجيات الحديثة وإمكانات الذكاء الاصطناعي، إلى  آخر هذه النقلات التي تأخذ في اعتبارها التكنولوجيا كشريك أساسي في  الإبداع وفي التعاطي اللغوي في آن.

 

وفي هذه المجالات كلها، أسهمت الباحثة ريهام حسني بمبادرات ملموسة،  وجاءت الانطلاقة في جامعة روتشستر للتكنولوجيا بأميركا، حيث تعاونت ريهام  مع مشرفها البروفيسور ساندي بالدوين لإطلاق مشروع الأدب الإلكتروني العربي  من أجل التعامل الواقعي مع المشكلات التي تواجه اللغة العربية.

 

بعد سلسلة من الأنشطة اختيرت ريهام حسني منذ أيام قليلة مستشارة دولية  لمنظمة الأدب الإلكتروني العالمية، من منطلق حرص المنظمة على ضمان تمثيل  الأدب العربي في المجموعة الرابعة لأعمال الأدب الإلكتروني التي ستصدرها  المنظمة قريبا.

 

أسهمت حسني في تقديم أول ورشة عمل في الوطن العربي لتعليم الأدوات  الرقمية لكتابة الأدب الإلكتروني، بالتعاون مع باحثين عالميين من بريطانيا  والولايات المتحدة، وإقامة أول معرض في الوطن العربي لأعمال الأدب  الإلكتروني العربي، وإنشاء أكثر من 50 سجلّا رقميّا لمعظم كتاب ونقاد الأدب  الإلكتروني على قاعدة البيانات العالمية “الميسيب” (ELMCIP) المتخصصة في  الأدب الإلكتروني على مستوى العالم.

ركب المستقبل

لا يزال الأدب الإلكتروني في العالم العربي يواجه تحديات مضنية بسبب  ندرة الجهود المؤسسية المبذولة في هذا المجال، فضلا عن المفهوم المغلوط  لماهية هذا النوع من الأدب، الذي يخلط الكثيرون بينه وبين النصوص المرقمنة،  أو النصوص التي تتناول موضوعات التكنولوجيا دون توظيفها، أو النصوص التي  تتخذ من المواقع سبيلا لنشرها.

 

تشير ريهام حسني لـ”العرب”، إلى أن الأدب الإلكتروني مختلف عن هذا كله،  حيث يعتمد على مبدأ التفاعل الفيزيائي بين عناصر العملية الإبداعية بأبعاد  زمانية ومكانية جديدة، تنبثق من طبيعة التكنولوجيا الرقمية المستخدمة، ولا  يمكن طباعته دون أن يفقد الكثير من خصائصه.

 

وتضيف “عندما بدأت الاشتغال على رسالة الدكتوراه منذ خمس سنوات، وسافرت  لإتمامها في مجال الأدب الإلكتروني والنقد الرقمي بجامعة روتشستر  للتكنولوجيا بأميركا، أدركت حينها أبعاد المشكلة التي تواجه الأدب  الإلكتروني العربي”.

 

في ذلك الوقت، لم يكن لدى الغرب فكرة بوجود أدب إلكتروني عربي، رغم أنه  قد ظهر في العالم العربي في مطلع القرن الحالي. وواجهت الباحثة صعوبات في  الحصول على بعض نصوص الأدب الإلكتروني التي فقدت بسبب حدوث مشكلات تقنية في  المواقع المحملة عليها، أو أن “السوفت وير” المصنوعة منه لم يعد متاحا.

لا سبيل إلى إنعاش اللغة وتطويعها وتطويرها ومد نطاق  استعمالاتها محليّا وعربيّا وعالميّا دون إنتاج جاد حقيقي للأدب الإلكتروني  العربي

هذه الأسباب كانت كافية لتتعاون ريهام حسني مع مشرفها البروفيسور ساندي  بالدوين لإطلاق “مبادرة الأدب الإلكتروني  العربي بالإنجليزية”، وتهدف إلى  خلق جسور تعاون وتعارف بين كتاب الأدب الإلكتروني في السياقين العربي  والعالمي، والخروج به من أزمته الراهنة. وبدأت المبادرة بشكل تطوعي، حيث  يجري الاعتماد على الجهود الذاتية لاستقطاب الجهات المختلفة لدعم أنشطة  المبادرة.

 

تضمنت هذه الأنشطة إقامة أول مؤتمر دولي باللغتين العربية والإنجليزية  بعنوان “الأدب الإلكتروني  العربي.. آفاق جديدة ورؤى عالمية”، شارك فيه  رواد المجال من مختلف أنحاء العالم، لتقديم الرؤى، وخلق مناخ أكاديمي  للتعاون بين الكتاب العرب وقرنائهم في الغرب.

 

أقيم المؤتمر في فبراير 2018، في جامعة روتشستر للتكنولوجيا بالإمارات،  وشاركت في التنظيم جامعة روتشستر للتكنولوجيا في نيويورك ومنظمة الأدب  الإلكتروني العالمية، ونُشرت الأوراق البحثية للمؤتمر في مجلة EBR المحكمة  دوليّا لتعريف الغرب بالأدب الإلكتروني العربي، ونشرت بالعربية في مجلة  “روابط رقمية”، لاطلاع الباحثين العرب على آخر ما توصل إليه المجال.

 

وتقول ريهام حسني “نطمح إلى أن تتبنى مؤسسة عربية المشروع، لتفتح له  آفاقا جديدة، فمازلنا نحتاج إلى تحقيق تعاون أكبر بين المبرمجين والكتاب  العرب، هناك حاجة ملحة لتبني مشروع طموح لأرشفة الأدب الإلكتروني العربي،  حتى لا يأتي اليوم الذي نفقد فيه إرثنا الأدبي الرقمي، ولا بد من ترجمة هذه  الأعمال إلى لغات مختلفة”.

 

تبرز الحاجة كذلك إلى تخصيص الجوائز التي تحفز التعاون المثمر بين قطبي  الأدب الإلكتروني، وهما: الكاتب والمبرمج، كما أن هناك حاجة ملحة لإقامة  ورش العمل التي تعلم الكتّاب آليات وأدوات الكتابة الأدبية الرقمية، ويتطلب  الانفتاح على الآخر والاستفادة من تجاربه جهدا مؤسسيّا تعاونيا بين بلدان  عربية عديدة، كي تتخطى العربية عثراتها وتنخرط في ركب المستقبل.

 

بناء جديد

تفرق ريهام حسني بين استخدام التكنولوجيا الرقمية كأداة لنقل المعارف  وتسهيل الأنشطة الحياتية اليومية، واستخدامها كوسيط لإدماجنا في العصر  الرقمي وجعلنا جزءا منه.

 

 وفي حديثها إلى “العرب” تقول “يتركز إدراكنا في العالم العربي  للتكنولوجيا الرقمية على الاستخدام الأول لها، كأداة، ومثال ذلك، أن نقوم  برقمنة التراث الأدبي العربي لجعله متاحا على شبكة الإنترنت، فبدلا من  قراءة التراث في كتب ورقية، يمكننا أن نقرأه في صيغة ملفات ‘بي.دي.إف‘،  ويشمل هذا الاستخدام أيضا تطوير برامج ‘سوفت وير‘ للمساعدة في عملية  الترجمة الرقمية بين اللغات المختلفة، أو للمساعدة في تحليل نصوص عديدة حول  موضوع معين للخروج ببيانات وإحصاءات حول هذا الموضوع تساعدنا في رسم  سيناريوهات للموضوع قيد الدراسة، و يتركز علم الإنسانيات الرقمية حول ذلك”.

 

أما الاستخدام الثاني للتكنولوجيا الرقمية، كوسيط، فهو يساعد على جعلها  جزءا لا يتجزأ من النشاط الإنساني، بحيث تعيد صياغة هذا النشاط وفقا لبلاغة  مغايرة وجماليات جديدة، وهو ما يطلق عليه حالة “ما بعد الإنسانية” التي  نحياها الآن.

    الأدب الإلكتروني في العالم العربي لا يزال يواجه تحديات مضنية بسبب ندرة الجهود المؤسسية المبذولة في هذا المجال

وبدلا من أن نقوم برقمنة الأدب لجعله متاحا على الشبكة العنكبوتية، نقوم  بإنتاج أدب جديد، بمواصفات جديدة، وبشروط إنتاج وتوصيل وتلقّ مختلفة، وهو  ما يطلق عليه الأدب الإلكتروني الذي يعتمد على جعل التكنولوجيا الرقمية  جزءا أصيلا من العمل الأدبي، يساعد على نقل المتلقي إلى داخل العمل.

 

في هذه الحالة، مثلما تصف ريهام حسني “نقوم ببناء العمل الأدبي بدلا من  كتابته، وبثه بدلا من نشره، وتشغيله واللعب معه بدلا من قراءته، وفي هذا  كله تشكل التكنولوجيا الرقمية شريكا أساسيا في العملية الإبداعية، فالأدب  الإلكتروني كصوت الحاضر والمستقبل يعتمد على جعل الكون كتابا مفتوحا، وتتم  في فضاءاته المختلفة عمليات الإنتاج والتوصيل والتلقي بمساعدة التكنولوجيا  الرقمية”.

 

وإذا نظرنا إلى اللغة العربية، وعلاقتها بالتكنولوجيا الرقمية، في ما  يخص نشاطَي رقمنة النصوص وإنتاج الأدب الإلكتروني، سنجد أنه مازال أمامنا  الكثير والكثير لننجزه. وتوضح حسني “شهد العقد الأخير اتجاه بعض المكتبات  والهيئات في دول عربية مختلفة، لرقمنة الكتب الورقية في مختلف العلوم،  وتحويلها إلى صيغ رقمية، بهدف إتاحتها للجميع على شبكة الإنترنت، ويتضمن  هذا النشاط أيضا أرشفة هذه النصوص، وتوفير البيانات اللازمة عنها، والترويج  لمحتوياتها، ما يحقق ثراء معرفيّا، وحفظا لهذه النصوص من الضياع، بالإضافة  إلى فتح آفاق جديدة في البحث العلمي، وصناعة البرامج الرقمية اللازمة لهذا  النشاط، وتقديم الاستشارات الفنية للمشاريع المشابهة في أماكن أخرى“.

 

وتثمن ريهام حسني هذه الجهود، وتقول لـ“العرب” مختتمة حديثها “هي خطوة  أولى، على طريق طويل لم تُكتشف أبعاده بعد، فحتى الآن لم تُوظف التقنيات  الرقمية المتطورة مثل تقنيات الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، في إعادة  عرض كتب التراث في المكتبات بشكل يعيد اكتشاف هذا التراث لمحاورته، وتقديم  رؤى جديدة له، ولم تُستخدم مثل هذه التقنيات في المتاحف الأثرية، ولم  يُستفد منها في جذب أنظار العالم لما لدى العرب من حضارة عريقة وتراث ثري،  ولذلك فإن الخطوات المقبلة أمامنا لا تزال كثيرة وشاقة، لكنها خطوات محفوفة  بالأمل“.